أهمية تحقيق التراث الفقهي
- فضل الله ممتاز
- 3 يونيو 2017
- 3 دقائق قراءة

التحقيق هو:
"بذل غاية الوسع والجهد لإخراج النص التراثي مطابقا لحقيقة أصله نسبةً ومتنا مع حل مشكلاته وكشف غوامضه[1]".
ويهدف التحقيق إلى إخراج النصوص التراثية للناس للاستفادة منها في بناء معارفهم وتطويرها، ويعتبر هذا المجال من الأولويات العلمية التي يجب أن تسيطر على اهتمام الباحثين في التراث جملة والعلوم الشرعية بصفة أخص وآكد وذلك للمبررات الآتية:
1. إن أمتنا تملك الملايين من المخطوطات في تراثنا الإسلامي- ومن ذلك ما يتعلق بالفقه وأصوله- ولم يحقق منها إلا القليل، وإن كثيرا من كتب التراث لا نعلمها إلا من خلال كتب الرجال والطبقات والفهارس وغيرها، أو تصل أخبار وجودها مخطوطة في بعض الخزائن العلمية دون أن يصل الخبر بخروجها إلى عالم النور، وما أخرج ونشر فإن أغلبه لم يحض بتحقيق علمي[2].
2. إن تحقيق التراث يعتبر شرطا ضروريا لبناء الذات في الحاضر والمستقبل إذ لايمكن أن تتم البحوث الموضوعية الأخرى إلا مبنية في جزء كبير منها على النصوص التراثية وهذه النصوص إن لم تخدم وتحقق فكيف يمكن الاعتماد عليها لذلك يقول الخبراء:" إن قضية النصوص هي القضية الأساس التي يجب أن تواجه من قبل جميع الدارسين بحزم وإلا ظلت البحوث كسيحة، والدراسات ناقصة، والصور والرؤى مضطربة، والأحكام العلمية العامة غير ممكنة"[3].
وإن كثيرا من القضايا والمعارف يساعد على فهمها بشكل صحيح العودة إلى الأمهات والمصادر الأصلية من كتب التراث ولن يتحقق ذلك إلا بإخراج تلك الأمهات والمصادر محققة إلى عالم النور، لذلك يجب أن توجه الجهود إلى هذا العمل الجليل وبذل الوسع في تحقيق التراث وإخراجه.
3. إن أمتنا تملك مخزونا تراثيا ضخما يمثل كنوزا علمية كبرى في كل المجالات، وقد قدرها بعض المحققين (( بثلاثة ملايين أو أربعة ملايين، وأوصل بعضهم عددها إلى خمسة ملايين عدا مالم تنله الأيدي، ولم تبلغه الأعين ... ويخمن ماطبع من التراث العربي منذ ظهور الطباعة بما لايزيد على واحد في المائة أي أن 99% من المخطوطات العربية يحتاج إلى الكشف والتعريف والتحقيق))[4] وإن من أبرز تلك المخطوطات وأولاها بالتحقيق ما يتعلق بالدراسات الفقهية والأصولية حيث يوجد الآلاف من المخطوطات التي لم تحقق بعد، وتنتظر من الباحثين أن يشمروا عن سواعد الجهد ويقوموا بتحقيقها حتى يخرجوها إلى عالم المعرفة اليوم لتساهم في النهضة الحضارية للأمة الإسلامية.
4. إن مما يؤسف له أن تراثنا الإسلامي الضخم لم يسلم من عبث العابثين إذ تعرضت المكتبات الإسلامية على مر العصور للنهب والسلب، أو الائتلاف والحرق، وأبرز مثال على ذلك ما قام به المغول على يد هولاكو فقد اجتاحوا بلاد المشرق، ودخلوا بغداد وأسقطوا عاصمة الخلافة العباسية، وأكثروا من السلب والقتل، والدمار، وأخذوا الكتب ورموها في نهر دجلة، حتى أن آثار المداد أخذت تطفو على نهر دجلة لكثرة الكتب التي غرقت فيه[5].
وحدث أيضا في مدينة قرطبة في الأندلس بعد سقوطها بيد النصارى حيث جاءوا بالكتب إلى الميادين العامة وأحرقوها، ويقدر عددها بالآلاف، ووصل الأمر إلى أن حيازة الكتب الإسلامية يعتبر جريمة يحاسب عليها القانون، فلجأ بعض المسلمين إلى وضعها داخل جدران بيوتهم، وعندما هدمت بعض الدور في العقدين الأخيرين في أسبانية عثروا عليها[6]. وإضافة للأحداث العسكرية التي أحدثت الدمار بجزء كبير من تراثنا الإسلامي، فإن عوامل التعرية كان لها نصيب كبير في إتلاف المخطوطات وطمس معالمها.
5. لايمكن إغفال أثر النشاط الإستشراقي في التعامل مع تراثنا الإسلامي ومدى خطورته في تشويه التراث وتزييفه[7]على الرغم من أن الجهود التي بذلها المستشرقون في تحقيق التراث كانت ضخمة وواسعة.
6. وللأسف فإن كثيرا من كتب التراث الإسلامي – التي طبعت – لم تحض بتحقيق علمي رصين، ويصعب الاعتماد عليها فهي مليئة بالأخطاء، والتصحيف والتحريف لذلك لابد أن تتجه الجهود إلى كتب التراث بالتحقيق والتمحيص حتى تخرج جلية كما وضعها مؤلفوها[8].
7. إن تحقيق المخطوطات مع أهميته في إحياء التراث ونشره فإنه في الوقت ذاته خطير جدا إذا قام به من ليس أمينا عليه أو من لا يجيد التحقيق حيث يعبث بالمخطوط ويشوه محتواه ويصرفه إلى غير وجهته، ولهذا لابد أن يتولى التحقيق المؤهلون له ووفق القواعد المنهجية لهذا الفن لتخرج المخطوطات بذلك كما وضعها مؤلفوها بدون زيادة في النص ولا نقصان.
[1]. أبجديات البحث في العلوم الشرعية ص142.
[2]. أبجديات البحث في العلوم الشرعية، 142.
[3]. أبجديات البحث في العلوم الشرعية ص143 وهو أشار في الهامش إلى كتاب مصطلحات النقد العربي ص43.
[4]. أبجديات البحث في العلوم الشرعية ص144 وهو أحال على علم الكتب مج1 ع4 ص651 نقلا عم مصطلحات النقد العربي هامش43.
[5]. المنهج الحديث للبحث في العلوم الإنسانية للدكتور فاروق السامرائي طبعة دار الفرقان الأردن ت ط1 – 1996 ص117
[6]. منهاج البحث وتحقيق المخطوطات للدكتور/ أكرم ضياء العمري، مكتبة العلوم والحكم المدينة المنورة 1995م ص123.
[7]. الاستشراق والمستشرقون مالهم وماعليهم، للدكتور مصطفى السباعي مكتبة دار البيان، الكويت 1968م ص30-39.
[8]. التراث والمعاصرة للدكتور أكرم ضياء العمري، كتاب الأمة (10) ط1، رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية، قطر 1405هـ ص38-40.
Comments